تدريس تاريخ الفن (Instruction Art History)

أن دراستنا لتاريخ الفن تعني إدراكنا للفن والثقافة، فمن خلاله يمكن أن نفهم أعمال الفن، وذلك عند إلمامنا بالظروف الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي أحيطت بتلك الأعمال فترة وخلال إنجازها. كما أن دراسة تاريخ الفن يحدث نوع من الترابط والتماسك بين الفترات المختلفة، لتكوين سلسة مترابطة من المعلومات والحقائق حول الحضارة والفن، وكيفية نشأت جذورهما الأولى. كما أن التحليل التاريخي للأعمال ليس فقط لقيمتها ومضمونها من المعلومات، وإنما لقيمتها التاريخية ومدى تأثيرها على أعمال الفن اللاحقة لها، فبذلك دراستنا المتسلسلة لمراحل تاريخ الفن تعني فهمنا للجذور التاريخية للتيارات والحركات الفنية ومعرفة منابعها وبذورها الأولى. وهذا كله يساعدنا على قراءة الأعمال وتحليلها تحليل صادق ونقدها، وتذوقها.. فبذلك يكون تاريخ الفن مرتبط بالتذوق الفني (علم الجمال)، والنقد الفني، وإنتاج أعمال الفن، وجميع هذه الجوانب تدرس كوحدة واحده لتعلم الفن.

إلاّ أنه لم يدرس تاريخ الفن في التَّربية الفنَّية إلاّ من عهد قريب، على الرغم من ظهور مصطلح التَّربية الفنَّية Art Education كمصطلح عالمي متعارف عليه في مطلع الربع الثَّاني من القرن العشرين 1936م، و ظهر المصطلح قبل ذلك في مؤتمر تشيكوسلوفاكيا عام 1928م (عائشة درويش، 1995م؛ أبو الخير،1998م). وكان قبل ذلك كان يقتصر تعليم الفن على إنتاج الأعمال الفنية فقط، إلى أن طرأت بعض التغيرات والتطورات على مناهج وأساليب تعليم الفن. وهناك العديد من العلماء كان لهم دور بارز في تبلور الفكر الحديث لتعليم الفن، ومنهم (مانويل باركان Mannuel Barkan) الذي كان من أبرز الذين اتجهوا إلى تطوير التَّربية الفنَّية شكلاً ومضموناً، ابتداءً من نقده حول نظرية التعبير الذاتي الإبداعي في كتابه أسس التَّربية الفنَّية في عام 1955م، موضحاً الدور الحقيقي من التَّربية الفنَّية مستشهداً بآراء (جون ديوي) (عمرو،2002م). وقد وضح (باجودة،2001م) في هذا الجانب أن أهم الخطوات التي اتخذت لإعادة النظر في مناهج التَّربية الفنَّية مؤتمر وودز هول (Woods Hole) الذي عقد عام 1959م في جامعة بنسلفانيا، كما كان لأفكار (برونر) التي طرحها في هذا المؤتمر أثر كبير في التفكير في قضايا ومشكلات المناهج التربوية وقد أصبح للتربويين في مجال الفن ردود فعل إثر جدلية برونز وكان منهم (باركان) الذي كان له سبق التنظير للعهد الجديد للتربية الفنية، حيث عبر عن آرائه في مقالين الأول بعنوان : التحول في مجال التَّربية الفنَّية عام 1962م.

والمقال الثَّاني بعنوان : هل يوجد علم في التَّربية الفنَّية؟ وذلك عام 1963م بالاشتراك في كتاب مع آخرين لتمهيد الطريق لاتجاه جديد للتربية الفنية يقوم على تأكيد المعرفة في الفن والتأكيد على بناء الشخصية المتكاملة للمتعلم. وفي سياق آخر تؤكد (ليلى علام،1995م) أنه قسم باركان في عام 1966م تعليم الفن إلى مجالات موسعة تشمل على تاريخ الفن، والنَّقد والتَّذوق الفني إلى جانب الممارسات التشكيلية؛ وهي تمثل الفنان الذي ينتج الفن والناقد الذي يتذوق الفن ويتحدث عنه بصيغة تخصصية، والمؤرخ الفني الذي يستطيع فهم وتقييم الأبعاد التاريخية والاجتماعية للفن ص120-121 . ومنذ ذلك الحين أُدخل تاريخ الفن كمادة رئيسية عند تدريس الفن في جميع مراحل التعليم العامة والجامعية.

لذلك نلحظ أن تاريخ الفن أخذ أشكال عديدة في التدريس، وذلك تبعاً لتخطيط المناهج وهدافه وتأثره بالاتجاهات التربوية الحديثة، وعلى الرغم من أن بعض هذه المناهج طُبقت على مراحل مختلفة من التعليم العام، إلاّ أنه يمكن الاستفادة من هذه السياقات في التعرف على طرق تدريس تاريخ الفن وربط وتناوله في تلك المناهج.

________________________________
المرجع: آل قمّاش، قمّاش علي (2006) : التعليم البمرمج وتعليم تاريخ الفن، دراسة غير منشورة.